خضر حسان – المدن
كان من المفترض أن تصل بين اليوم والغد، الشحنة الأولى من الفيول، بعد معالجة النفط العراقي الذي سيحصل عليه لبنان بموجب الاتفاقية الموقَّعة منذ نحو أسبوعين. فوزير الطاقة ريمون غجر، زفَّ إلى اللبنانيين قدوم الباخرة المحمّلة بالفيول “بعد أسبوعين”. موعدٌ آخر على جدول مواعيد وزارة الطاقة، وهو نهاية شهر آب، حين من المفترض أن يبدأ اللبنانيون بالتماس التغيير في ساعات التقنين. لكن لا شيء عَمَلياً حتّى الساعة. ما يشي بتأخير وصول شحنات الفيول المعالَج ليتناسب مع معامل انتاج الكهرباء.
الإجراءات الإدارية معلّقة
قانونيًا، لا تُعقَد نفقة عامة تُرتِّب على الدولة دفع ليرة واحدة أو دولار واحد قبل رصد الاعتماد المناسب لها. وهو ما لم يحصل بالنسبة لاتفاقية استيراد النفط العراقي. المخالفة القانونية الثانية هي تجاهل إدارة المناقصات في التفتيش المركزي، حين كان من المفترض أن تجري المناقصات الشهرية للتعاقد مع شركة تشحن الفيول المعالَج إلى لبنان. لكن وزارة الطاقة لم تناقش الموضوع مع إدارة المناقصات، ولم ترسل دفتر شروط للتعاقد مع الشركات. ورغم ذلك، لم تُجرِ الوزارة أي مناقصة لديها أو لدى المديرية العامة للنفط، ولم تطلِع ديوان المحاسبة على أي معلومة تتعلّق بالمناقصات.
انقضاء مهلة الأسبوعين من دون إتمام الاجراءات الإدارية المناسبة، وإن بشكل مخالف للقانون، يعني أن الإتيان بالفيول مؤجَّل. وتتكتَّم وزاة الطاقة والمديرية العامة للنفط عن التفاصيل الإدارية الإلزامية للتعاقد مع شركات الشحن. أما محاولات “المدن” الحصول على إجابات من وزير الطاقة والمديرية العامة للنفط، فباءت بالفشل، بسبب عدم الرد على جملة من الرسائل. علمًا أن الوزير يفترض به الكشف عن التفاصيل كافة، وكذلك المديرية العامة للنفط التي كانت حاضرة أثناء توقيع الاتفاقية، بشخص المديرة العامة أورور فغالي.
رقابة عراقية
تشير مصادر متابعة للملف في العراق، إلى أن “الجانب العراقي سيراقب مسار النفط وسيتأكد من شفافية الإجراءات بدءًا من إجراء المناقصة وتحديد الأسعار وانتهاءً بوصول شحنات الفيول إلى لبنان. والمراقبة تعني عدم ثقة العراقيين بالجانب اللبناني وتحديدًا وزارة الطاقة، خاصة وأن الأسعار التي سيدفعها لبنان لقاء شحن الفيول، قد تتغيّر وفق تبدّل أسعار النفط عالميًا، فلبنان فعليًا سيشتري الفيول، فمَن يحدد السعر النهائي في لحظة الشراء؟”.
توضح المصادر في حديث لـ”المدن”، أن هذه التفاصيل “يفترض أن تبحثها وزارة الطاقة اللبنانية مع الشركات قبل عقد الاتفاقية مع العراق، أو بالتوازي معها، لضمان تأمين أكبر قدر من الفيول على مدار الأشهر الأربعة، وهو ما لم يحصل”. وتقول المصادر أن الجهات العراقية التي تريد مراقبة مسار الاتفاقية “تعلم هذه الثغرات، ومع ذلك لم تقل أي كلمة، والسكوت يشكّل قطبة مخفية في الملف”.
تلفت المصادر النظر إلى أن “تأخير وصول الشحنات أمر غير مستغرب، وكذلك تكتّم وزارة الطاقة اللبنانية. فالتكتّم ومحاولات شراء الوقت بتبريرات كثيرة تصدر تباعًا من المسؤولين السياسيين، يمهّد الطريق لنجاح التسوية – الصفقة المبرمة بين فريقين سياسيين بارزين، أحدهما يسيطر على وزارة الطاقة، والآخر مهَّدَ الطريق لانجاح توقيع الاتفاقية. وليس مهمًّا بعد ذلك بأي طريقة يجري التنفيذ، وموعد وصول الشحنات أمر لا يشكّل عائقًا، فالحجج موجودة دائمًا، والمواطن يعلّق آمالًا مستمرة، فينتظر لربما تقلّصت ساعات التقنين في أي وقت”.
توقيع الاتفاقية من الجانب العراقي من دون التأكد من المسار السليم لتنفيذها “يثير شبهات التورّط. وما يعزّز ذلك، هو القبول ببدل مادي بالليرة، وبتجميد ثمن المليون طن من النفط، وشراء مزروعات وخدمات طبية مفقودة في لبنان”.
لم يتحرك ديوان المحاسبة لسؤال الوزير، الذي يبدو أنه لن يُفصح عن خبايا الأمور من تلقاء نفسه. وحتى يُقرر المعنيون ما هي الخطوة المناسبة، لا بواخر في المدى القريب، إلاّ في حال حصول “معجزة”، تخفي وراءها آلية تعاقد غير قانونية وكميات منقوصة من الفيول، تُضَخَّم أعدادها على الورق، فيما العتمة تستمر على أرض الواقع، فلا بند في الاتفاقية يُلزم العراق بتأمين النفط خلال فترة زمنية محددة، وكذلك لا سند قانونيًا يُلزم وزارة الطاقة بموعد محدد لجلب النفط المعالَج. فتبقى المهلة الزمنية مفتوحة وفق ما يناسب المتحكّمين بالملف.