ذوالفقار قبيسي – اللواء
التركيز على الحل المالي والنقدي وحده – وهذا إن حصل – لن يكفي لخروج لبنان من النفق الطويل الذي لا يبدو حتى الآن ان في نهايته الانفراج المطلوب.
وحتى لو تألفت حكومة، على أهميتها الأساسية وضرورتها الملحّة، وأخذت طريقها للحصول على قروض من المؤسسات والصناديق النقدية الدولية والعربية، وتحوّل ميزان المدفوعات من عجزه الحالي الى فائض مالي، فان هذه التطورات رغم إيجابيتها، لن تكفي، وقد تنتهي في آخر المطاف الى زيادة في المديونية دون حصول تغييرات جذرية في البنية السياسية والاقتصادية، وقبل أي شيء آخر هو الأساس: إستعادة الثقة التي هي «بيت القصيد» وكل القصيدة!
وإليك الدليل…
ففي العام ١٩٧٣ تدفق الى لبنان كم كبير من الدولارات لتمويل الحرب أدّت الى تحوّل قطاعات الاقتصاد من شلل بحوالي ٨٠% الى فائض في ميزان المدفوعات ما لبث بسبب تدهور الأوضاع الأمنية والسياسية وانتكاس الثقة العامة أن تحوّل الى عجز بمليار دولار لا سيما مع ارتفاع أكلاف خطة تعزيز القدرة العسكرية للجيش، ما اضطر الحكومة الى إصدار سندات خزينة زادت في حجم الدين العام وخفضت القيمة الشرائية لليرة اللبنانية بشكل متواصل زاده حدّة تدهور الأوضاع الأمنية والسياسية وتراجع الثقة العامة.
وفي العام ١٩٨١ أيضا برغم الفأئض الكبير الذي تحقق في ميزان المدفوعات في ذلك العام بـ٣٥٠٠ مليون ليرة أو حوالي ٧٠٠ مليون دولار، ومع ذلك – وعكس كل المعطيات الاقتصادية العلمية والتجارب العملية – استمر انخفاض سعر صرف الليرة بسبب تراجع الثقة في ظل تدهور الأوضاع الأمنية والسياسية عندما تحوّل الفائض خلال النصف الأول من العام ١٩٨٢ الى عجز مع ارتفاع كبير في الدين العام نتيجة اشتداد تأثيرات حرب الجبل، ليتحوّل العجز من جديد في تشرين الأول وتشرين الثاني من العام نفسه الى فائض بسبب تحسن التوقعات السياسية وإستعادة الثقة التي هي الأساس وحجر الرحى لأي استقرار نقدي ومالي واقتصادي.
وموجز الدرس الذي يمكن استخلاصه من كل هذه التطورات والتغيّرات هو ان العلاقة بين الثقة العامة المعززة بالأمن والاستقرار، وسعر صرف العملة الوطنية، تعلو أهمية على العلاقة بين سعر الصرف والسياسة النقدية والمالية التي رغم أهميتها لا تكفي وحدها لتحقيق الأهداف الأساسية الثلاثة: المعدل المطلوب للنمو، الاستقرار النقدي، وتوفير الكم الكافي من فرص العمل.
وهي أهداف ستبقى عصيّة على أي حكومة من أي نوع ولو كانت مجهزة بنقود القروض، أو كانت حائزة على ثقة مجلس نواب هكذا نظام، ما دامت عاجزة عن استحواذ ثقة المجتمع الاغترابي والعربي والدولي.